تعكف ادارة الرئيس الامريكي براك اوباما علي وضع خطة لتسوية الصراع في الشرق الاوسط تعتمد بشكل رئيسي علي ادراك الرئيس اوباما وادارته بان الحروب ليست الحل الاوحد لتحقيق
مصالح الولايات المتحدة الامريكية، وان محاربة الارهاب تتطلب استخدام الدبلوماسية كأداة ضاغطة من اجل تجفيف مصادر الارهاب او الانتهاء من الذرائع التي يمكن ان تزيد من مشاعر العداء للولايات المتحدة، وتعطي مبرر لاستخدام العنف والارهاب ضدها وان ما لا تستطيع القوة تحقيقة ربما يمكن للدبلوماسية النشطة والفعالة ان تحققه خاصة في المناطق الاكثر تعرضا للظلم والاضطهاد، وهذا ما دفع الولايات المتحدة الي البحث عن سياسات جديده تجاه افريقيا والشرق الاوسط لما لهاتين المنطقتين من اهمية في السياسة الامريكية الخارجية وما لها من مصالح فيهما.
ان الادارة الامريكية الجديدة تماما كالادارات التي سبقتها والتي ستلحق بها لا يحركها الا رغبتها في تحقيق اقصى ما يمكن تحقيقة من مكاسب نتيجة وجودها وفعاليتها ونفوذها في اي منطقة من مناطق العالم، فالولايات المتحدة ليست هيئة انسانية تقدم خدمات ومساعدات مجانية لشعوب ودول المنطقة، وليست لجنة مساع حميدة تهدف الي المصالحة بين اطراف الصراع في المنطقة، بل هي دولة ودوله عظمى تبحث عن مصالحها واهدافها وان اختلفت آليات تحقيق هذه الاهداف بين ادارة واخرى، وما يحرك الولايات المتحدة للبحث عن حل للصراع العربي الاسرائيلي هو ان هذا الصراع اصبح مكلفا سياسيا وامنيا وعسكريا للادارة الامريكية، ومصدرا للقلق على مصالحها وحلفائها في المنطقة، ويشكل مدخلا مهما في التصعيد ضدها ومحاربتها بل حتي الانتقام منها.
ان اي تصور امريكي للحل واي خطة توضع يجب ان تحظى بموافقة الاطراف المتصارعة عليها والالتزام بها تمهيدا لاحترامها وتنفيذها، والا فانها ستضاف الى ما سبقها من اتفاقيات وتفاهمات وقرارات دولية منذ بداية القرن الماضي فشلت جميعها في الوصول الي حلول للصراع العربي الاسرائيلي، وحل عادل للقضية الفلسطينية، لان جميع الاتفاقات السابقة لم تقم علي رضى الاطراف، ولم تحقق الحد الادني الذي يمكن قبولة من الاطراف، وبالتالي اصطدمت إما بعدم الرغبة بالتنفيذ او بعدم القدرة علي التنفيذ، او بعدم امكانية القبول من حيث المبدأ، وبالتالي فان اي مبادره او خطة جديده سواء امريكية او غيرها لا تراعي مصالح كل الاطراف ورغباتها وحقوق الشعوب في الحرية والاستقلال ستواجه نفس المصير التي واجهته سابقاتها.
ان المعطيات السابقة وعند تطبيقها على الخطة الامريكية المقترحة يعطي انطباعا ان الادارة الامريكية لم تستفد من التجارب السابقة، فالخطة هي تصور جميل للقاء اطراف الصراع في اجتماع دولي برعاية امريكية روسية أوروبيه، وهذا تماما ما تم قبل ذلك مرتين الاولي في مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991، والثانية في مؤتمر انابوليس في العام 2007، وبالتالي تجربة اللقاء الدولي دون وضع ضمانات مسبقة وخطط لتنفيذ القرارات وآليات رقابة ونظام للعقوبات على من لا يلتزم بالاتفاقات الصادرة عنه ستجعل منه نسخة ثالثه وربما اكثر تشويها لمدريد وانابوليس،
كما ان البحث عن حلول قد تفسر على انها ضد المصلحة الوطنية لاطراف الصراع خاصة للفلسطينيين ستؤدي بالضرورة الى مقاومة هذه الحلول وعزلها واسقاطها، او في احسن الاحوال منع الاستفادة من تنفيذها، فالاتفاقات الاقليمية الهادفة الي التطبيع سبق وان جربت ايضا عبر اللجان التي شكلت للتعاون الاقليمي وغيرها من المسميات، والتي سرعان ما جاءت الانتفاضة الفلسطينية الثانية ـ نتيجة انسداد افق التسوية ـ واعادت الامور الي ما كانت عليه قبل توقيع اتفاق اوسلو وما تبعه من اتفاقيات، وتوقف التعاون الاقليمي واغلقت السفارات بل ان الاتفاقات التي وقعت بين كل من مصر والاردن من جهة واسرائيل من جهة ثانية لم تستطيع اشاعة اجواء السلام حتي في هذه الدول نفسها.
ان الحلول المؤقتة وتأجيل القضايا الرئيسية للصراع وترحيلها الى المستقبل فشلت سابقا في الحفاظ على الاتفاقات الموقعة، بل ربما ساعدت في زيادة الاحباط مما ادى الى اندلاع مزيد من العنف والحروب، فتطبيق المراحل الانتقالية من اتفاقات اوسلو لم يمنع تحطيم وتدمير الاتفاقات وما نتج عنها عندما بدأ البحث الجدي عن حلول لقضايا الحل الدائم والفشل في حلها، كما ان الانسحاب الاسرائيلي احادي الجانب من جنوب لبنان ومن قطاع غزة ادي الى اندلاع حربين ربما هما من الحروب الاكبر في تاريخ الصراع، وبالتالي التهرب من معالجة القضايا الجوهرية والرئيسية يدفع باتجاه تأجيل الصدام وليس انهائه.
كما ان غياب العدل والانصاف للشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة وضمان حقة في الحرية والاستقلال واقامة دولته الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقا للقرار 194 لن يحظى بموافقة لا الشعب الفلسطيني ولا حتي موافقة اي سلطة فلسطينية، وبغض النظر عن من يقودها سواء انصار التسوية او انصار المقاومة، فالثوابت الفلسطينية التي تجاوزتها ملامح خطة اوباما لن تجد من يقبلها او على اسوأ تقدير من ينفذها في الشعب الفلسطيني.
ان خطة اوباما التي تدعو بالاساس الى التطبيع بين العرب واسرائيل، والى دولة فلسطينية مقسمة بالكتل الاستيطانية التي ستضم لاسرائيل، والرافضة لأي حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرارات الامم المتحدة، وحل مجزوء وشكلي في القدس، والمبنية بالاساس على رؤية اسرائيل للحل عبر دولة الجدار دون القدس ودون المستوطنات وربما دون غزه ايضا، لا تهدف الى حل الصراع بل الى اطالة أمد الصراع والذهاب الى مفاوضات جديدة ستؤدي في النهاية الى صدامات وربما حروب جديدة.
ان ادارة اوباما ـ اذا مارغبت في نجاح هذه الخطة ـ مطالبة بان تتعلم من دروس وعبر الماضي وان تراجع الاتفاقات التي فشلت سابقا للاستفادة منها في صياغة خطة تقوم على رغبة حقيقية لانهاء الصراع لا ادارته فقط، واعتقد ان مصلحة الولايات الامتحدة الامريكية تكمن في الحل العادل القابل للتطبيق، وليس فقط في مواقف اعلامية ضد الاستيطان حتي وان كانت هذه المواقف والتصريحات مهمة ايضا، ولكن العبرة في الافعال لا في الاقول، والامور سياسيا تقاس بنتائجها وليس بما يحيط بها من هالة اعلامية حتى لو اندفع البعض الى الترحيب بالمبادرة الامريكية ربما بفعل العادة ان ما يصدر عن امريكا يجب الترحيب به، او بفعل الرغبة في الجلوس على مقعد في هذا الاجتماع الاقليمي للبحث عن دور سياسي حتي ولو كان علي حساب الشعوب ومصالحها.